مصطفى بن الحاج مشرف قسم
عدد الرسائل : 1284 العمر : 60 نقاط : 3594 تاريخ التسجيل : 26/09/2008
| موضوع: النهضة الادبيه العربية بحث مهم و تلخيص رائع. الجزء الأول السبت نوفمبر 14 2009, 19:17 | |
| | |
|
مصطفى بن الحاج مشرف قسم
عدد الرسائل : 1284 العمر : 60 نقاط : 3594 تاريخ التسجيل : 26/09/2008
| موضوع: "النهضة الادبيه العربية" الجزءالثاني السبت نوفمبر 14 2009, 19:23 | |
| النهضة العربية الحديثة
الجزء الثاني
4/ قضايا العالم الإسلامي والعربي : كان النصف الأول من القرن العشرين حافلاً بالأحداث الجسام التي أخذت بخناق العالم العربي والإسلامي . وإن أول تلك الأحداث الهجمة الصليبية على الدولة العثمانية التي قامت على الإسلام ، فتألفت الجمعيات السرية المشبوهة التي أخذت تنخر في جسد الدولة العثمانية تساعدها اليهودية الحاقدة على الإسلام متدثرة بشعارات الحرية والقومية ثم تدخلت الدول الأوربية الصليبية فقضوا على الخلافة ، وولوا وجه تركيا شطر أوربا فحاربوا الإسلام واللغة العربية حرباً لا هواة فيها ، ولما انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1918م اجتمعوا على البلاد الإسلامية ، واستعمروها ، وأخمدوا كل الثورات التي هبت في وجههم بقوة وشراسة . لقد عبر شعراء هذا الاتجاه عن كل ذلك تعبيراً صادقاً ، فاشترك البار ودي في حروب تركيا ضد أعدائها ، اشترك بسيفه وقلمه وها هو يصور إحدى هذه المعارك تصويراً حياً .
وضعوا السلاح إلى الصـباح وأقبلـوا * يتكلمــون بألسـن النـيران حتى إذا ما الصبح أسفـر وارتمـت * عـيناي بين ربـا وبين مجـان فإذا الجــبال أسـنة وإذا الوهـاد * أعـنة والمـاء أحمـر قــان وتوجست فـرط الركـاب ولم تكن * لتهاب فامتنعت على الإرسـال
ويفرح شوقي لانتصارات الأتراك على أعدائهم ، فيشبه حروبهم بحروب صلاح الدين الأيوبي ، وقصيدته ( انتصار الأتراك ) تشبه قصيدة أبي تمام في فتح عمورية وزنا وصياغة . قال:
الله أكبر كم في الفتح من عجـب * يا خالد الترك جدد خالد العرب حذوت حرب الصلاحيين فى زمن * فيه القتال بلا شــرع ولا أدب لم يأت سيفك فحشاء ولا هتكت * قناك من حرمة الرهبان والصلب ولا أزيدك بالإســلام معـرفة * كل المروءة في الإسلام والحسب
ويبكي شوقي سقوط الخلافة العثمانية ، وتبكي معه الأمة الإسلامية ، فبعد الانتصار الساحق للأتراك على أعدائهم الذي فرحت به أمة الإسلام ، قام مصطفى اتاتورك بإسقاط الخلافة ، فكان وقع ذلك على المسلمين شديداً أليماً فقال شوقي :
عادت أغاني العرس رجع نواح*ونعيت بين معـالم الأفــراح كفنت في ليل الزفـاف بثوبـه *ودفنت تبلـج الإصـــباح ضجت عليك منابر ومــآذن *وبكت عليك ممـالك ونـواح الهند والهة ومصـر حــزينة *تبكي عليك بمـدمع سحّـاح والشام تسأل والعراق وفـارس*أمحا من الأرض الخلافة مـاح ؟ ويواسي شوقي سوريا عندما ضربها الفرنسيون واحتلوها واستعمروها ، قال:
سلام من صـبا بـردى ارق* ودمع لا يكفكف يا دمشـق ومعذرة اليراعـة والقــوافي* جلال الرزء عن وصف يدق وللمستعمـرين وإن ألانـوا * قلوب كالحجـارة لا تـرق
*ثانياً : النثر .
إن عوامل النهضة التي ذكرناها من قبل ، والتي كانت قد أخذت تؤتي ثمارها في الشعر العربي ، قد ظهرت آثارها في النثر شيئاً فشيئاً ، وإن المراحل التي مر بها الشعر مر بها النثر أيضاً.
مراحل تطور النثر الفني :
المرحلة الأولى : مرحلة الضعف .
ظل النثر العربي طوال النصف الأول من القرن التاسع عشر نثراً ضعيفاً تقليدياً لم يستطع أن يتخلص من إسار العصر العثماني فكان يرسف فى أغلال السجع والجناس والطباق والتورية، متكلفا في ذلك تكلفاً شديداً . هذا من حيث الصياغة والأسلوب ، أما من حيث الموضوعات فكانت تدور حول الإخوانيات من تهنئة واعتذار وتقريظ ديوان ، فالكاتب لا يعبر عن مشاعره الخاصة ، ولا عما يجول في خاطره من عواطف الحب والحزن ، وإنما يحاكي ويترسم خطا كتاب الدواوين في العصور المتأخرة ، وبخاصة في العصر العثماني ، وهو عصر جمدت فيه الحياة الأدبية في الشرق ، جموداً يكاد يكون تاماً لولا إشعاعات أضاءت تلك الظلمات أوقدها رجال علماء ، أمثال : عبد القادر البغدادي والإمام الشوكاني ، ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم . إن الحكام الأتراك كانوا بعيدين عن اللغة العربية وآدابها لا يفهمونها ولا يتذوقونها ، بل تعصبوا ضدها ، وفرضوا لغتهم فرضاً ، وعاقبوا كل من يتكلم اللغة العربية من طلاب المدارس حتى خارج حجرات الدراسة ، وظل هذا الحال حتى عهد محمد على وأبنائه ، حكى الشيخ محمد المهدي ، وهو أديب عاصر تلك الفترة قال : ( كانت اللغة العربية مضطهدة في عهد عباس الأول إلى حد أن من يتكلم بها من طلبة المدارس الحربية توضع في فمه العقلة التي توضع في فم الحمار حينما يقص ، ويبقى كذلك نهاراً كاملاً عقوبة له على تحرك لسانه بلغة القرآن في أثناء فسحته ) . ومن نماذج النثر في هذه المرحلة رسالة وجهها الشيخ على أبو النصر توفى سنة1881م إلى أحد أصدقائه : ( إن أبهى ما تسر به نفوس الأحبة ، وأبهج ما يستضاء بنوره في دياجي المحبة ، دون ما رسمه يراع المشوق ، وأبدعه مما يحسن ويروق ، تشوقاً إلى اقتطاف ثمرات المسامرة ، وتشوقاً إلى أبيات بمحاسن البديع عامرة ) وهو كما ترى نثر متعلق بأنواع البديع مرصوف رصفاً خال من حرارة العاطفة .
المرحلة الثانية : الانتقال من الضعف إلى القوة . كانت عوامل النهضة ، وبخاصة عودة المبعوثين من أوربا ، وطباعة كتب التراث شعراً ونثراً ، ونشرها ، وإقبال الأدباء عليها ، أدى كل ذلك إلى أن يتخلص النثر من تلك القيود ويحاول النهوض من كبوته ، فظهرت آثار ذلك في كتابات بعض الأدباء ، وخاصة في الموضوعات الديوانية ، والكتابة الديوانية كتابة رسمية من خصائصها صياغة العبارة صياغة محكمة خالية من السجع والتكلف . ولما كانت الدواوين قد عربت من التركية إلى العربية ، فقد أحدث ذلك تغييراً في أساليب الكتابة ، فوجد لونان من ألوان النثر ، أحدهما ديواني محكم الصياغة بعيد عن الألاعيب اللفظية. وثانيهما : إخواني تكثر فيه الأصباغ البلاغية . وخير من يمثل هذا الازدواجية الأسلوبية الشيخ عبد الله فكري توفى سنة 1889م ، قال عنه د. أحمد هيكل : ( يكتب كتابات إخوانية بطريقة ، ويكتب كتابة ديوانيه بأخرى ، فهو حين يكتب في المسائل الإخوانية يجنّس ويسجّع ، ويتكلف ما يتكلفه هؤلاء التقليديون ثم هو حين يكتب في المسائل الرسمية يتبسط ويترسل ). ومن نماذج النثر في فترة الانتقال هذه نموذجان من كتابات عبد الله فكري ، أحدها تقرير رسمي قدمه إلى أحد رؤساء الوزارات في القرن الماضي عن مؤتمر حضره في أوربا . ( ثم أشير إليّ فقمت وأنشدت قصيدة كنت أعددتها لذلك بعد ارتحالنا من باريس .. وخاطبني أناس باستحسانها .. وخطب بعد ذلك أناس منهم المسيو شفر وافد فرنسا ..ثم قام الملك وودع الحاضرين وصافح البعض وصافحنا ..وانقضت الحفلة ، وارفضت الجمعية ) . يلاحظ في هذا التقرير خلوه من السجع والمحسنات ، وأن ألفاظه جاءت على قدر المعاني، وهكذا تكون كتابة التقارير . أما النموذج الثاني ، فهو للكاتب نفسه عندما كتب إلى رئيس تحرير جريدة الوقائع المصرية مقرظاً ، قال : " لابد أن كل من عرف التمدن ، وشَمَّ عرف التفنن ، وأخذ بنصيب من الفهم والتفطن ، كان أحب شيء إليه ، وأحب أمر لديه أن يكون مطلعاً على وقائع مصره، عارفاً بما تجدد بين بني عصره من حوادث الزمان ، وعجائب عالم الإمكان " . إن الكاتب هنا عندما اتجه إلى الكتابة الإخوانية جنح إلى السجع ( عرف ، عرْف / مصره وعصره ) وإلى الاستعارة ( شمّ عرف التفنن ) .
المرحلة الثالثة : مرحلة التجديد والأصالة .
خرج النثر من المرحلتين السابقتين ناضجا مستوياً ، تخلص من كل القيود التي كبلت خطوه ، فكان أثر عوامل النهضة فيه واضحاً ، وأثر الصحافة على الخصوص ، بل يعزى ارتقاء النثر إلى ظهور صحيفة ( الوقائع المصرية ) ، وهي صحيفة تعني بشئون البلاد ، أنشأها محمد على سنة 1828م ولعلها أول صحيفة تنشأ في الوطن العربي . ولما كانت الكتابة الصحفية لا تحتمل أثقال المحسنات البديعية كان على الكتاب والمحررين أن يلجئوا إلى النثر السهل المترسل والكتابة غير المتكلفة . من أوائل الذين تولوا الكتابة في ( الوقائع المصرية ) ، رفاعة الطهطاوي ، والشيخ حسن العطار وأحمد فارس الشدياق ومحمد عبده .
*موضوعات النثر الحديث : تناول النثر عديداً من الموضـوعات في شتى مجالات الحياة من اجتماعية وسياسية وإخوانية . فمن الموضوعات التي تناولها النثر :
1/ الدفاع عن الشعوب المستعمرة : سواء أكان ذلك الاستعمار أجنبياً مثل استعمار الإنجليز لكثير من بلاد المسلمين ، أم كان حكماً تركياً استبداديا ، فتولى النثر إثارة حماسة تلك الشعوب ضد مستعمريها وظالميها ودفعهم للتخلص من ذلك الاستعمار البغيض . ومن نماذج هذا النوع ما كتبه محمد عبده توفى سنة 1905م يستنهض الشعوب العربية المستعمرة لتندفع في شجاعة وبسالة لتأخذ حقها عنوة ممن سلبوها حقها في الحرية والكرامة كتب محرضاً ( إني لأتعجب ، وكل ذي إحساس يتعجب ، من سكان الديار المصرية ، والأتراك والحجازيين واليمانيين ألاّ يوجد بين هؤلاء فتى يشمر عن ساعده ويتقدم بصدره إلى هذا الوزير الأرمني .. فيكشف له وللمغرورين من أمثاله حقيقة الوطنية ؟ ! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن المولعين بحب الحياة يتجرعون مرارات الموت في كل لحظة خوفاً من الموت ) .
2/ الدعوة إلى تحكيم الشورى : إن استبداد الحكام بحكم البلاد دون إشراك أهلها في أمورها العامة والخاصة يؤدي إلى الفساد السياسي والخمول الاجتماعي ، ورأي الجماعة أقوى من رأي الفرد ، لذلك دعا النثر إلى تحكيم الشورى ، قال جمال الدين الأفغاني ناصحاً توفيق باشا أحد حكام مصر من أسرة محمد على و داعياً له أن يأخذ بالشورى : ( وإن قبلتم نصح هذا المخلص ، وأسرعتم في إشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى ، فتأمرون بإجراء انتخابات نواب الأمة لتسن القوانين وتنفذها باسمكم وإرادتكم ، يكون ذلك أثبت لعرشكم وأدوم لسلطانكم ) .
3/ الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي :
ظلت الشعوب العربية ترزح تحت وطأة الفقر ردحاً طويلاً من الزمن ، كان الحكام فيه يستغلون الفلاحين والعمال أسوأ استغلال . كما أن الجهل من أسوأ الأمراض الاجتماعية ، فهو العش الذي تعشش فيه الخرافات ويشيع الدجل والشعوذة فيلجأ فيه المواطن ، لجهله ، عندما تحل به مشاكل الحياة يلجأ إلى السحرة والدجالين ، فيزداد مرضاً على مرض ، وفقراً على فقر . ومما زاد من فقر الشعوب المعاملات الربوية التي يتعامل بها الأغنياء مع المزارعين لجهلهم ،وقد صور عبد الله النديم توفى سنة 1896م ذلك تصويراً صادقاً يبين للفلاحين ما هم فيه من جهل ، وما يعانون من فقر قال: "ذهب المزارع إلى المرابي ليقترض مائة جنيه بفائدة قدرها عشرون في المائة فقال المرابي : حسنا سأخصم من المائة عشرين فتستحق ثمانين جنيهاً ، وأضيف الفائدة وقدرها عشرون جنيها فيكون الدين مائة وعشرين جنيهاً، ووافق الفلاح لجهله بالحساب ، وبذلك أخذ ثمانين جنيهاً ليسددها مائة وعشرين ، وحين السداد جاء الفلاح بكل ما أنتجته أرضه فاشتراه المرابي بأبخس الأثمان" .
4/ الوحدة الوطنية : في الوحدة الوطنية تتمثل قوة الأمة وتماسكها أمام الأزمات، لذلك يحرص الحكام والأدباء، والشعراء على صيانة هذه الوحدة وتأكيدها مستخدمين فى ذلك كل الوسائل من قوانين وصحف وقد أسهم النثر العربي الحديث فى هذه القضية مدافعاً عنها نافياً ما يدعيه خصوم الأمة من تعصب المسلمين على النصارى ، كتب الشيخ على يوسف توفي سنة 1913م مبيناً أنه لا يوجد خلاف أو تعصب ضد غير المسلمين : ( قالوا إن المصريين متعصبون تعصباً دينياً ، ومعنى هذا عندهم أنهم يكرهون المخالفين لهم في الدين كراهية عمياء ويعتدون عليهم بروح البغضاء المتناهية ..ولكن كيف وفى البلاد من قديم الزمان أديان مختلفة يتجاور أهلوها في المنازل ويتشاركون في المرافق ..فلم تكن بين المسلمين والأقباط تلك الروح الشريرة .. وقد وفد على القطر المصري وفود من كل الطوائف المسيحية شرقية وغربية ، ومن أرمن وأروام وسوريين وفرنساويين وطليان وإنجليز ونمساويين وأمريكيين ومن بروتستانت وكاثوليك وأرثوذكس وغير ذلك من علماء وتجار وصناع وعمال وهمل مشردين ، فلقي الكل في مصر صدراً رحباً وكان منهم المظفون فى كل مصلحة حتى تولى نوبار باشا الأرمني رئاسة النظار في مصر ) .
*خصائص للنثر في هذه المرحلة :
يمكن إجمال خصائص النثر في الآتي :
1/ تقصير الجمل ، بحيث أصبحت الجملة الواحدة مختصة بأداء معنى واحد ، ولم يعبر عن المعنى الواحد بجمل متعددة . 2/ ترك المبالغة ، واجتناب الزخارف اللفظية . 3/ السهولة والوضوح ، لأن الصحف وقراءها لا يسيغون الغموض والتعقيد الذي يبعد بالمقال عن هدفه. 4/ اختيار الألفاظ الجملية المتأنقة ذات الموسيقي التي تمتع القارئ وتجذبه.
مجالات النثر الحديث
أولاً : الخطابة .
أ/ الخطابة السياسية : إن إنشاء الجمعيات الأدبية والسياسية والثورة العرابية ساعدت على نشوء هذا النوع من الخطابة ، وأشهر الخطباء السياسيين في مصر مصطفى كامل ، وسعد زغلول وعبد الله النديم .
ب/ الخطابة الاجتماعية : إن الحالة الاجتماعية السيئة التي كانت تعيش فيها الأمة العربية آنذاك دعت الخطباء إلى أن يتجهوا إلى معالجة الموضوعات الاجتماعية ، فاتخذت الخطابة وسيلة لبث أفكار الإصلاح والدعوة إلى حياة أفضل .
ج/ الخطابة الدينية : ظلت الخطابة الدينية على ما كانت عليه فى العصور الماضية حتى ظهرت الجمعيات الإسلامية التي حركت الخطابة الدينية من ركودها إلى خطابة حية تناقش القضايا التي تهم الأمم الإسلامية من مثل التوجه نحو الإسلام ، وتحكيم الشريعة ، واتخذت من منابر المساجد ، ومنصات الجمعيات أماكن لصولاتها .
ثانياً : المقالة . لم يعرف الأدب العربي هذا النوع من النثر ، والمقالة شبيهة بالرسالة كما عرفت عند الجاحظ وابن المقفع وأبي العلاء المعري ، شبيهة بها من حيث تناولها موضوعا محدداً فى صورة مركزة ، والموضوع الذي تتناوله الرسالة يتصل بقضية من القضايا الحية التي تشغل المجتمع ، ويتجه فيها الحديث نحو الجماعة . نشأت المقالة مع نشوء الصحيفة التي جاءت من أوربا مع الحملة الفرنسية . لقد أسهمت حركة الترجمة الواسعة التي تمت فى القرن التاسع عشر ، وانتشار الصحف وتنوع مجالاتها ، وتوجيهات جمال الدين الأفغاني أسهمت كل تلك في إرساء دعائم هذا النوع من النثر الفني الجديد . تتنوع أساليب كتابة المقالة حسب ثقافة كاتبها ، وحسب الموضوع المتناول فالكاتب ذو الثقافة الفكرية يغلب على أسلوبه الجانب الذهني ، والكاتب ذو الثقافة الفنية يغلب على أسلوبه التصوير والخيال ، واستخدام الأدوات الفنية ، والكاتب ذو الثقافة العلمية يغلب على أسلوبه الجمل القصيرة المحددة ، واستخدام المصطلحات العلمية والإحصاءات الرياضية .
*أساليب الكتّاب في القرن العشرين :
قام الدكتور أحمد هيكل بتحليل واستخلاص خصائص ومميزات خمسة من أشهر الكتاب من القرن الماضي في مصر .
أ/ طريقة طه حسين : هي طريقة (التصوير المتتابع) هذا الكاتب يغلب على أسلوبه التصوير بالألفاظ والجمل وتقديم المشاهد المتتابعة ، ويعتمد أسلوبه على الجمل القصار .وإيراد تلك الجمل أو بعض أجزائها فيما يشبه التكرار ومن أهم وسائل طه حسين استخدام الروابط ..كحروف الجر فى وفرة وتنوع وتقابل . ثم هناك سمات أخرى منها استخدام طائفة من ( اللازمات) في البدء والانتقال كقوله (ليس من شك) و(مما لاشك فيه) و(مهما يكن من أمر ) و(وأكبر الظن).
*نموذج من طريقته قال عن شيء ما : ( تستطيع أن تسميه كذا ، وتستطيع أن تسميه كيت ، وأنا زعيم لك بأنه ليس كذا وليس بكيت ، وإنما هو شيء آخر غير كذا وغير كيت جميعاً ) .
ب/ طريقة العقاد ( طريقة التعبير المحكم ) : يعمد العقاد إلى التعبير عما عنده بألفاظ وجمل محكمة ، فيها الدقة ، وفيها القصد ، وفيها التركيز ، وفيها دسامة الزاد قبل أن يكون فيها رونق الشكل ، فلا إفراط فى المقدمات ولا لجوء إلى التكرار سواء بالكلمة أو الجملة ، لأنه لا محل لشيء من ذلك وإنما المحل الأول لإعطاء أوفر معان وأغزر أفكار .. على أن الغالب على ذلك الأسلوب الإبانة والإفصاح ، ومن سمات هذه الطريقة المميزة استخدام التذييلات الضابطة والاحتراسات المحققة ، ومن سماتها أيضاً الميل إلى التفصيلات المنطقية لا اللفظية ، والمقابلات العقلية لا البديعية ، ومـن سماتها أيضـاً الابتعاد عن الزخرف بكل ألوانه . *نموذج من طريقته : من مقال بعنوان ( الألم واللذة ) ( … أما أن الألم موجود في هذه الدنيا فمما لا يختلف فيه اثنان ، وأما إنه فوق ما تقبله النفوس فمما لا يختلف فيه إلا القليل ، وأما أنه نافع أو غير نافع ، ومقدم للحياة أو مثبط لها فذلك مما يختلف فيه الكثيرون ) .
ج/ طريقة الرافعي ( طريقة البيان المقطّر) : لأنه يميل في أسلوبه إلى الناحية البيانية ، ويهتم في المقام الأول بجمال الصياغة ، وروعة الديباجة ، هو بيان فيه بعد وتركيب وجهد حيث يميل صاحبه إلى اعتصار المعاني وتوليد الأفكار ، ومزج الخواطر من خلال مجازات مركبة واستعارات بديعة ، وكنايات خفية فيأتي بيانه آخر الأمر أشبه بعملية تقطير ألوان من الزهور المعروفة ، والورود المألوفة ، والرياحين الشائعة لاستخلاص عطر مركب مركز غريب ، فيه جمال ، ولكن ليس فيه بساطة . من خصائص طريقة الرافعي .. أنها تستلهم المعجم القرآني والسني والتراثي حيث يتكئ في كثير من المواطن على لفظة أو عبارة من القرآن الكريم أو على كلمة أو جملة من الحديث الشريف ..يميل أسلوب الرافعي إلى استخدام بعض البديع ولكن فى اقتصاد .قال : ( لم يعرف التاريخ غير محمد رسول أفرغ الله وجوده في الوجود الإنساني كله كما تصب المادة في المادة لتمتزج بها فتحولها ، فتحدث منها الجديد ، فإذا الإنسانية تتحول به وتنمو وإذا هو وجود سار فيها ، فما تبرح الإنسانية تنمو به وتتحول ).
د/ طريقة الزيات : (طريقة البيان المنسق ): إن هذا الكاتب يميل أولاً في أسلوبه إلى الناحية البيانية ويجعلها في المحل الأول ، ثم إنه ثانياً لا يعمد إلى البيان البسيط أو البيان المركب ، وإنما على البيان الذي يقوم على التنسيق والهندسة ، فالجملة فيه تعادل الجملة ، بل الكلمة تعادل الكلمة ، والفقرة توازي الفقرة ، حتى يتألف من الكلمات والجمل والفقرات لوحات بيانية تتقابل خطوطها ، وتتعادل مساحاتها ، وتتوازن ألوانها . والزيات يهتم لتحقيق ذلك باستخدام ألوان من المحسنات ولكن في مهارة فائقة .. وبعض هذه المحسنات يأتي به لتحقيق التجانس الصوتي كالسجع والجناس وبعضها يأتي به لتحقيق التناسق المعنوي كالمقابلة والطباق . وهكذا يحس قارئ مقالة الزيات أنه أمام هندسي مصمم مقسم مهندم .
*نموذج من مقال بعنوان ( أوربا والإسلام ) : ( شيع الناس بالأمس عاماً قالوا : إنه نهاية الحرب واستقبلوا عاماً يقولون إنه بداية السلم، وما كانت تلك الحرب التي حسبوها انتهت ، ولا هذه السلم التي زعموها ابتدأت إلا ظلمة أعقبها عمى ، وإلا ظلاماً سيعقبه دمار ) .
هـ/ طريقة المازني : ( طريقة الأداء المصري ) : إن هذا الكاتب يميل في أسلوبه إلى أن يؤدي مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وانطباعاته بروح مصرية ، وبلغة فيها ظلال لغة المصريين ، فهو يميل إلى الدعابة ، والسخرية وإبراز المفارقات مما عرفت به الروح المصرية في تناولها للأشياء ثم هو يعمد إلى البساطة واليسر في التعبير .. وهو يؤثر من هذه وتلك ما له رصيد نفسي مصري وإشعاع شعبي غني ما دامت الفصحى لا تنكرها ، والعربية السليمة لا ترفضها ، وبرغم هذا الأداء المصري في طريقة المازني فقد كان غالباً ، لا يتورط في إهمال قواعد اللغة أو اللجوء إلى الألفاظ والتراكيب العامية .
*نموذج من طريقته من مقال بعنوان ( بين القراءة والكتابة ) . (مضت شهور لم اكتب فيها كلمة في الأدب ، لأني كنت أقرأ والقراءة والكتابة عندي نقيضان ، وقد كنت ، ومازلت ، امرءاً يتعذر عليه ، ولا يتأتى له أن يجمع بينهما فى فترة واحدة ولكم أطلت الفكر في ذلك ، فلم يفتح الله عليّ بتعليل يستريح إليه العقل .. وما أظن إلا أن الله ، جلت قدرته قد خلقني على طراز ( عربات الرش) التي تتخذها مصلحة التنظيم ، خزان يمتلئ ليفرغ ويفرغ ليمتلئ ، وكذلك أنا فيما أرى ، أحس الفراغ في رأسي، وما أكثر ما أحس ذلك ، فأسرع إلى الكتب ألتهم ما فيها ، وأحشو بها دماغي الذي خلقه الله خلقة عربات الرش كما قلت ، حتى إذا شعرت بالكظة ..رفعت يدي ..فلا ينجيني منه إلا أن افتح الثقوب وأسح ) (1) .
ثالثاً : المسرحية . المسرحية قصة تمثل أمام الجمهور على مسرح ، والمسرح بناء من الخشب أو غيره مرتفع . يقوم بالتمثيل أشخاص يدور بينهم حوار يؤدي مفهوم القصة الممثلة ، والحوار في المسرحية عنصر من عناصرها الأساسية . تحاط المسرحية بالجو الذي دارت فيه القصة مكاناً وزمناً من حيث أنواع المساكن والملابس وسلوك وعادات الأشخاص الذين يمثلون العصر والمكان ، وحتى أساليب المعيشة تمثل كما جرت في زمن المسرحية . إن مصطلح ( المسرحية ) ترجمة عربية لكلمة ( دراما) ، وهي مرادفة أيضا لكلمة تمثيلية .
*للمسرحية القديمة ثلاثة أركان لا تتم إلا بها وهي : 1/ المقدمة : التي تمهد لما سيحدث من أحداث وأن تؤدي بالأحداث إلى عقدة القصة. 2/ العقدة : هي القمة التي تصل إليها الأحداث بحيث تنعقد وتشد المشاهد ، وتجعله يتوتر ويفكر فيما ستنتهي إليه الأحداث . 3/ الحل : يأتي بعد ذلك الحل الذي يزيل التوتر وينهي الصراع . لقد ظهرت المسرحية في الأدب العربي بعد مجيء نابليون إلى مصر ، ولم تكن معروفة قبل ذلك .
وأول مسرحية عربية هي المسرحية التي ترجمها عن الإيطالية عبد الله أبو السعود توفى سنة 1878م ، ثم ترجم مارون النقاش توفى سنة 1885م مسرحية (البخيل) للأديب الفرنسي موليير .ولما أطــل القـرن العشرون ظهرت المسرحية العـربية الأصيلة.
رابعا : الرواية .
الرواية فن حديث ، دخل الأدب العربي مع الثقافة الأوربية وهي قصة طويلة تستغرق كتاباً كاملاً تتناول موضوعاً من موضوعات الحياة وتعرضه فى مساحة زمنية واسعة ، وتتعدد الشخصيات في الرواية ، وتتعدد الأمكنة والأزمنة ، ويصور كل ذلك تصويراً دقيقاً مشوقاً . وإن أشهر نموذج للرواية العربية المعاصرة هي روايات نجيب محفوظ (السكرية ) و( بين القصرين ) و (قصر الشوق) التي صورت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر .
*خــــاتـــــــمــــة:
عرف الأدب العربي الحديث تطور مشهوداً صاحبه ظهور عدت فنون أدبية شعرية ونثرية كالمسرحية والرواية و القصة......ويعود الفضل في ذلك إلى عدت شخصيات أدبية ساهمة في هذا التطور بإبداعاتها واجتهاداتها ونذكر منهم كل من " طه حسين ، العقاد ، أحمد شوقي ، توفيق الحكيم ، ايليا أبو ماضي ، جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، أحمد أمين ، حسين هيكل ، البشير الإبراهيمي ، سامي البارودي ، نجيب محفوظ ، محمود درويش ، نازك الملائكة ، نزار قباني ........" .
المـصـادر و المـراجــع
1/د.وداعة محمد الحسن وداعة : الآداب والنصوص والقراءة عبر العصور ، مجلس الشهادة الثانوية العالمية ، مصر ، 2005م.
2/حسين سيد أحمد الناطق : الأدب العربي في القرن العشرين ، دار الفكر ، مصر ، 1997م.
| |
|
admin المـديـر العـــام
عدد الرسائل : 5117 العمر : 57 نقاط : 12013 تاريخ التسجيل : 03/08/2008
| موضوع: رد: النهضة الادبيه العربية بحث مهم و تلخيص رائع. الجزء الأول السبت نوفمبر 14 2009, 19:44 | |
| بارك الله فيك و في أهلك أخي مصطفي | |
|
مصطفى بن الحاج مشرف قسم
عدد الرسائل : 1284 العمر : 60 نقاط : 3594 تاريخ التسجيل : 26/09/2008
| موضوع: رد: النهضة الادبيه العربية بحث مهم و تلخيص رائع. الجزء الأول الجمعة أبريل 30 2010, 20:09 | |
| | |
|