السؤال:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ»، رواه أبو داود وغيره.
هل هو أمر بمطلق الصلاة أم أنه أمر بالصلاة مطلقًا، بمعنى: هل يكفي أمره بالقيام إلى الصلاة لمجرد تعويده عليها أم أنه يلزم أمره بالقيام بها عند أوقاتها الخمسة بما في ذلك الفجر والعشاء، مع أنهما قد تشقان عليه؟ وهل يؤمر بإعادتها إذا أخل ببعض شروطها أو أركانها أو واجباتها كالطهارة والطمأنينة؟ وهل يؤمر بالجماعة في المسجد؟ أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأمر الوارد في الحديث المذكور «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ..»(١- أخرجه أبو داود كتاب «الصلاة»، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة: (495)، والحاكم في «المستدرك»: (1/ 197)، من حديث ابن عمرو رضي الله عنه. والحديث حسّنه النووي في «الخلاصة»: (1/ 252)، وصححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (3/ 238)، والألباني في «الإرواء»: (1/266).) ليس خطابًا من الشارع للصبي ولا إيجابًا عليه؛ لأنَّ الأصل أنّ «الأَمْر بِالأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِهِ» ما لم يدلَّ عليه دليل أو قرينة صارفة إلى الوجوب مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن طلاق ابنه عبد الله رضي الله عنه امرأته في الحيض: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا»(٢- أخرجه مسلم كتاب «الطلاق»: (2/ 674)، رقم: (1471)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما)، فقرينة لام الأمر في قوله: «فَلْيُرَاجِعْهَا» صدرت متوجهة إلى ابن عمر رضي الله عنهما فيكون مأمورًا به بلا خلاف(٣- انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة: (2/96)، و«مذكرة الشنقيطي»: (198)). قال القرافي -رحمه الله-: «لأنًّ الأمر بالأمر لا يكون أمرًا، لكن علم أنًّ كلَّ من أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر غيره، فإنما هو على سبيل التبليغ، ومتى كان على سبيل التبليغ صار الثالث مأمورًا إجماعًا»(٤- «شرح تنقيح الفصول» للقرافي: (148-149)).
هذا، ومن جهة أخرى فإنّ الأمر بالصلاة في الحديث المذكور هو أمر بالصلاة مطلقًا بجميع لوازمها ومقتضياتها، وليس الأمر فيه بمطلق الصلاة ومجرد تعليمها له وتعويده عليها، ذلك لأنّ المعلوم أصوليًّا أنَّ: «الأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ وَبِمَا لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِهِ» سواء كان حكم الأمر على الوجوب أو على الندب، إذ المطلوب من جهة الشرع إنما هو الأمر بالقيام بها على وجه الحقيقة الشرعية، أي: يَلْزَمُ وَلِيَّ الصغيرِ أن يأمره بكل ما يصحّح به صلاته من طهارة واستقبال القبلة وستر العورة وكيفية أداء الصلاة على الوجه الصحيح. ويدل عليه أن الصبي يؤجر عليها إذا صلى هو ووليه لعموم قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: 160]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما رفعت إليه امرأة صبيًّا فقالت: «يا رسول الله! ألهذا حج؟»، قال: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ»(٥- أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (1/ 607)، رقم: (1336)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما)، كما يدلُّ عليه من ناحية أخرى أنَّ الصبي المميز يلحق بالبالغ في بطلان عبادته إذا تعمَّد المبطلَ من نواقض الوضوء ونحوها(٦- «الأشباه والنظائر» للسيوطي: (219)).
وبناءً عليه، فليس لولي الصبي المميز أن يأمره بمطلق الصلاة، وإنما يكون أمره بالصلاة مطلقًا ليربِّيَه على الاهتمام بها والتمرُّن عليها على وجهها الشرعي الصحيح، سواء شقَّت عليه أو لم تَشُقَّ؛ لأن القيام بتعليمه لعبادة الصلاة وغيرها إنما يدخل في باب تبليغ ما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر به الصبيَّ المميّز، ويبقى خطاب الندب ثابتًا في حقِّ الصبي، فلا إثم عليه بترك واجب ولا بارتكاب حرام، أي لا تلحقه التكاليف الشرعية مطلقًا: من الواجبات والمحرمات والحدود والتصرفات على مذهب جمهور العلماء(٧- قال الشنقيطي في «مذكرة أصول الفقه»: (30): «.. وعن أحمد رواية مرجوحة بتكليف الصبي المميز، ومذهب مالك وأصحابه تكليف الصبي بالمكروه والمندوب فقط دون الواجب»)؛ لأنَّ القلم مرفوع عنه حتى يبلغ كما ثبت في الحديث(٨- ولفظ الحديث: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍة: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ -وفي رواية: حتى يحتلم- وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». [أخرجه أبوداود: (4398) وغيره، واللفظ للنسائي في «الطلاق»، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج: (3432)، وابن ماجه في «الطلاق»، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم: (2041)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «الإرواء»: (2/4)]).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
لجزائر في: 9 من صفر 1431ﻫ
الموافق ﻟ: 24 يناير 2010م
١- أخرجه أبو داود كتاب «الصلاة»، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة: (495)، والحاكم في «المستدرك»: (1/ 197)، من حديث ابن عمرو رضي الله عنه. والحديث حسّنه النووي في «الخلاصة»: (1/ 252)، وصححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (3/ 238)، والألباني في «الإرواء»: (1/266).
٢- أخرجه مسلم كتاب «الطلاق»: (2/ 674)، رقم: (1471)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
٣- انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة: (2/96)، و«مذكرة الشنقيطي»: (198).
٤- «شرح تنقيح الفصول» للقرافي: (148-149).
٥- أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (1/ 607)، رقم: (1336)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٦- «الأشباه والنظائر» للسيوطي: (219).
٧- قال الشنقيطي في «مذكرة أصول الفقه»: (30): «.. وعن أحمد رواية مرجوحة بتكليف الصبي المميز، ومذهب مالك وأصحابه تكليف الصبي بالمكروه والمندوب فقط دون الواجب».
٨- ولفظ الحديث: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍة: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ -وفي رواية: حتى يحتلم- وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». [أخرجه أبوداود: (4398) وغيره، واللفظ للنسائي في «الطلاق»، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج: (3432)، وابن ماجه في «الطلاق»، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم: (2041)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «الإرواء»: (2/4)].