إليك هذا النموذج الخاص بالسرد فقط و يمكنك استخلاص
خصائص الوصف من القصة نفسها و ذكر أمثلة ورد فيها نمط الوصف من خلال خصائصه كالأحوال و النعوت و التشبيهات و غيرها ....
السرد هو: " مجموعة من العناصر المكونة لجنس أدبي ما من مثل؛ الحدث، الزمان المكان، الشخصية، التشويق وما إلى ذلك " كما أنها " التسلسل الزمني للأحداث والوقائع". من هنا سوف ننطلق في دراسة باب " القرد والغيلم" مستقصين مدى مطابقة بناء الحكاية وتشكل سردها مع التعريفات السردية السالفة.
يتشكل السرد في باب " القرد والغيلم" من حكاية إطار وحكاية مؤطرة تتفرع عنهما حكايا أخرى متنوعة، فالحكاية الإطار يعلن عنها بن المقفع قبل البدء في سرد الأحداث مباشرة، وتتمثل في حكاية الملك دبشليم والفيلسوف بيدبا حين يطلب الأول من الثاني أن يضرب له مثلا: " اضرب لي مثل الرجل الذي يطلب حاجة، فإذا ظفر بها أضاعها"[2]، ولعل هذه خاصية من خاصيات الحكاية المثلية، فبمجرد شروع الفيلسوف في الحكي، تتفرع الحكاية الإطار إلى: " حكايات كبرى تمثل أبواب الكتاب، وضمن كل باب تتوالى الحكايات الصغرى أو الحكايات الخرافية الفرعية، وخاصة ما غاب عنها الحيوان."[3]
إن الحكايات المؤطرة التي أنتجها الفيلسوف بيدبا وهو يُفَصل للملك في كل مثل اقترحه. شكلت إشارة مهمة وجيدة في الحكايات كلها، لأنها فتحت أمام الدارسين، خاصة المعاصرين منهم، مجال البحث والتحليل.
مضمون باب القرد والغيلم :
تدور حكاية " القرد والغيلم" حول قرد اسمه "ماهر" كان يحكم قومه فتقدمت به السنون، فقام قرد شاب بانقلاب عسكري عليه، هرب القرد المسن حتى صادف في مسيره شجرة تين اتخذ منها مسكنا ومأوى، وكان الوقت ثمارا فاعتلى القرد المتعب ظهر الشجرة، ثم شرع يتذكر أيامه، ويأكل تينة فيمضغها، فوقعت واحدة من يده فسمع لها رنيناً محببا صادراً من ساقية الماء تحته، فأعاد فأكل ورمى، واستمر هكذا بأكل واحدة ورمي ثانية فيتمتع بالرنين والمذاق الحلو، حتى كان اليوم الذي فوجيء " القرد" المسن بالغيلم يتقدم إليه فيسلم عليه ويشكره لما ألقى من تين إلى النهر. ومع الوقت نمت الصداقة بين " القرد والغيلم"، ولكن الحدث لم يكن خبرا سارا لزوجة الغيلم، فقد ساءها تأخر زوجها في العودة إلى المنزل، فلما سألت عن الخبر قالوا إنه صادق قرداً شيخاً وَهَنَ العظم منه، على ظهر شجرة؛ فهما خليلان يتساران ويروي كل منهما للآخر محن الدهر وتصاريف القدر، فنصحوها أن تتمارض حتى إذا عاد الغيلم ليلا أخبروه أن مرضها أعيا الأطباء، ولا دواء له غير قلب قرد. فكر الغيلم فلم يجد سوى قلب صاحبه الهارب من الانقلاب العسكري، في مملكة القردة، فجاءه في الصباح وقد عزم الغدر به فقال: إنني أريد إكرامك كما أكرمتني، وأريدك أن تتم إحسانك إلي بزيارتك لي في منزلي..."[4]
إذا تأملنا الحكاية جيدا منذ بدايتها ألفينا بناءها منتظماً يراوح بين السرد والحوار، ذلك أن " الحوار من يفسح المجال لعرض الأفكار والحجج أو دحض أفكار الخصم"[5] فحوار الملك " دبشليم" مع الفيلسوف بيدبا، أنتج حكاية شخصتها حيوانات؛ تفرعت عنها حكاية أخرى مضمنة في الحكاية الأولى هي حكاية " الأسد وابن آوى والحمار".
إن كِبر القرد "ماهر" وهرمه، أفرز انقلاباً عسكريا عليه وطُرد من مملكته؛ أنتجت هذه الواقعة، نقطة تحول في الأحداث؛ إذ هاجر القرد واستقر فوق شجرة " تين" كانت ثمارها سبيلا لتعرفه على الغيلم، وكسب صداقته التي أدت إلى نسج حيلة من قبل الزوجة المتمارضة للتخلص من القرد عندما تأخر زوجها عنها. امتلكت الغيلم حيرة في كيفية حصوله على قلب قرد، فعسر عليه الطلب، فتحايل على صديقه، ومع طمع القرد في الأكل الرغد، تمكن الغيلم من إغوائه واصطحابه على ظهره إلى قعر الماء، مدعياً إكرامه، مضمراً خيانته والغدر به، وقد وَلَّد تردد الغيلم أثناء مسيره في الماء، الشك في القرد، ففكر ولم يظهر تفطنه بغدره وأوصاه بتنفيذ رغبة زوجته، صدق القرد الغيلم، وأفصح له عما يجول في خاطره، فأعلن القرد عدم إحضاره قلبه معه بحجة أنهم: " معاشر القردة لا يحملون قلوبهم معهم عندما يرحلون خشية أن يستولوا على ما ليس لهم"، وطلب من صديقه أن يعيده إلى الشجرة التي أخذه منها، حتى يمكنه من الحصول على مراده، وعند عودته وتسلقه الشجرة، تأخر عن الغيلم فكره منه ذلك؛ ثم طلب منه العودة، فسخر من الغيلم القرد وضرب له مثل " الأسد وابن آوى والحمار"، هكذا نجا القرد بنفسه، وأضاع الغيلم حاجته بعد أن ظفر بها.
الســرد:
افتتح السارد حكاية "القرد والغيلم" كما في كل الحكايات السالفة في "كليلة ودمنة"، بصيغة "زعموا أن"؛ وهي صيغة تؤشر إلى بداية السرد، أو بداية القصة بعد الحوار الذي يجري بين المؤلف والملك.
إن هذه البداية تؤشر كذلك إلى مجموعة من المؤشرات تتمثل أولاها في أن بيدبا ليس مؤلف هذه القصص، بل هم قوم آخرون غير معروفين أو على الأقل لا يعرف بهم بيدبا، ولكن يبدو من خلال صيغة "زعموا أن" و"اضرب لي مثلا" اللتين تواجهاننا في بداية الحكاية، أنهم ينتمون إلى الماضي البعيد بكل ما يحمله من معاني، وأنهم حكماء استطاعوا ان يصلوا إلى الحكمة الخالصة وما أشبهها، كما توحي الصيغة بمجرد حضورها على سكوت المؤلف وصمته، وتسليم زمام السرد لشخصيات الحيوانات" القرد والغيلم"، أما ابن المقفع، فإنه يتوارى من المؤلف نهائياً؛ فكما لاحظنا في "كليلة ودمنة" كلها، اقتصر حضوره فقط على مقدمة الكتاب، ثم اختفاؤه في الحكايات كلها. وفي غياب المؤلف الأول والثاني في الحكايات، إيحاء بالرغبة لدى ابن المقفع في الإلمام بواقعية قصصه ووجودها الفعلي، ومنه نستجلي خضوع بناء السرد للمتن الحكائي حيث ستسرد القصة أو تحكى.
يتراءى مما سبق، أن صيغة "زعموا أن" كان لها عدة مؤشرات كما رأينا، وأن المؤلف لم يوظفها عن عفو خاطر، بل كان فيها أيضا بالإضافة إلى إيحاءاتها على توثيق الروايات المحكية بمختلف أنواعها؛ وهو ماذهب إليه عبد الملك مرتاض عندما قال:"وربما يكون عبد الله بن المقفع اصطنع مصطلح "زعموا" لأن الناس كانوا، على عهده، حراصا على الرواية الموثوقة....لذلك ظل المصطلح هو اللازمة السردية الغالبة على نص "كليلة ودمنة""[6]، دلالة تمثلت في إعلان السرد عن نفسه، وأن الحكاية قد بدأت، ذلك أن "السرد يحتاج إلى الإعلان عن نفسه بصيغة من الصيغ تكون بالنسبة إلى الحكاية كالإطار بالنسبة إلى اللوحة، وهكذا فإن عبارة "زعموا أن" تعلن للمتلقي أن السرد قد بدأ وتحدد نوعه."[7]
من هنا يتبين أن خصائص السرد كما اتفق عليها والتي أشرنا إليها في تعريفات سابقة، حاضرة في الحكاية وإن كانت تنحو منحى الحوار، فقد مثل القرد والغيلم شخصيتان رئيستان دار حولهما حدث "طلب الرجل حاجة، حتى إذا ظفر بها أضاعها"، ومثلت زوجة الغيلم وصديقتها، والقرد الأصغر الذي كان وراء الإنقلاب العسكري على القرد "ماهر" الهرم شخصيات ثانوية، أما "الأسد وابن آوى والحمار" فقد كانوا شخصيات ضرب بهم